Harvest: حين كانت الأرض وطناً
أليسا ويلكنسون- نيويورك تايمز
Thursday, 07-Aug-2025 06:49

كالِب لاندري جونز يتألق في قصة عن قرية إنكليزية من القرون الوسطى تختفي من الوجود.

في بداية فيلم Harvest (الحصاد) للمخرجة أثينا رايتشل تسنغاري، لا يكون واضحاً ما إذا كان والتر ثيرسك (الذي يؤدي دوره كالِب لاندري جونز) متوحّشاً أم واقعاً في حب الأرض بجنون. يرتدي ملابس فضفاضة منسوجة بخشونة، ويتنقل في الطبيعة بخفّة وكأنّه يرقص، في لقطات مصوّرة بألوان خصبة ومحمرّة.

 

يعضّ غصناً من شجرة، ثم يبدو وكأنّه يُقبّل عقدة خشبية في جذع شجرة أخرى. يبتهج تحت أشعة الشمس، ينزع ملابسه، وينزلق في المياه، كل جزء من جسده منفتح للأمواج. يبدو وكأنّه اندمج كلياً مع الطبيعة.

 

لكن فقط بعد هذا التقديم، نبدأ بفهم مَن هو والتر وأين نحن. في اسكتلندا فجر العصر الحديث، يعيش والتر في قرية صغيرة جداً، نائية عن أي مدينة حقيقية. إنّها صغيرة لدرجة أنّها لا تملك اسماً. حفنة من السكان يزرعون الأرض التي يملكها السيد كينت (هاري ميلينغ)، رجل طيّب وخلوق، وإن كان ضعيف الشخصية بعض الشيء.

 

كان والتر في ما مضى خادماً شخصياً للسيد كينت، وتربّى منذ الطفولة كصديقه المقرّب. لكنّه وقع في حُبّ فتاة من القرية، ووقع أيضاً في حُبّ الأرض التي تعيش عليها، قرب المياه. فانتقل من البيت الكبير إلى أحد البيوت المسقوفة بالقش، وعلى رغم من أنّ سكان القرية يخشون الغرباء ولا يثقون بمَن لا ينتمي إليهم، بدأ والتر حياة الفلاح، وشيئاً فشيئاً أصبح واحداً منهم.

 

لكنّ زوجته الآن رحلت. تربطه علاقة نفعية بأرملة في القرية تُدعى كيتي (روزي ماكوين)، لكنّه يعيش في الغالب كأعزب، وسعيد بذلك. غير أنّ هذا الهدوء على وشك أن يُمزّق مع بداية «الحصاد». أولاً، تندلع نار. ثم يظهر غرباء في القرية: 3 دخلاء بنوايا مجهولة، إلى جانب رسام خرائط (أرينزي كيني)، استأجره السيد كينت لمسح الأراضي. ومعهم، يدخل العالم الخارجي إلى القرية، ومعه شعور بالقلق يتسارع مع وصول أرستقراطي متعجرف (فرانك ديلان).

 

«الحصاد»، الذي تجري أحداثه خلال أسبوع واحد فقط، فيلم جميل، غريب، ومتعرّج بعض الشيء، لكن ليس على نحو مزعج. اقتُبس من رواية لجيم كرايس، وكتبته تسنغاري بالاشتراك مع جوسلين بارنز، ويحتوي على سرد صوتي وفير ولهجات اسكتلندية ثقيلة - شاهدته مع ترجمات مكتوبة. صوّر الفيلم مدير التصوير شون برايس ويليامز على شريط 16 ملم، ممّا يمنحه إحساساً خاماً، شبه متسخ أحياناً، كأنّ الشريط نفسه قادم من الماضي وقد يتحلّل إلى غبار.

 

أو ربما إلى تراب. أو ربما سيذوب إلى سائل، أو يشتعل. فـ«الحصاد» عمل مشبّع بالعنصر البدائي، ربما لمحاكاة الطريقة التي يعيش بها أهل القرية حياتهم ملتصقين بالأرض والتربة والبحر. يرقصون في الوحل، يحترقون تحت الشمس، يلتهمون لحم الخنازير التي ربّوها، ويتأنّقون في احتفالاتهم بثياب خاطوها بأنفسهم. يمشون وسط حقول القمح الذهبي ويخوضون في المستنقعات.

 

هذه الحياة ليست دائماً مثالية أو جميلة: إذا أردت إهانة أحدهم، تلطّخه أو تغمره بسائل جسدي. إذا خرقت القواعد - أو قرّرت القرية أنك فعلت - قد تُحبس في قفص خشبي يُعرض أمام الناس كعبرة، وقد ينتهي بك الأمر بطريقة سيئة جداً. أطفال القرية يُؤخذون كل عام إلى الحجارة التي تحدّد حدود القرية، ويُجبَرون على ضرب رؤوسهم عليها بعنف، لتعلّمهم أين ينتمون.

 

من السهل أن نُضفي طابعاً رومانسياً على هذا النوع من الحياة، لكن من الواضح أنّها ليست مريحة ولا ممتعة دائماً. ومع ذلك، فهي حياتهم، الحياة التي يحبّونها.

 

عندما تنتقل الأحداث إلى المنزل الكبير وعالم السيد كينت، يصبح الجو بارداً، راكداً، وغير إنساني، مكان لم يشعر فيه أحد قط بأي عاطفة حقيقية. هذا التباين مقصود تماماً، لأنّ في هذا العالم لا مكان إلّا لطريقة واحدة للحياة: «الحصاد» يتحدّث عن الطريقة التي تُقتلع بها جماعات بأكملها، وتُدمّر حياتهم، باسم الكفاءة والربح.

 

قد يبدو هذا الوصف بارداً، تقنياً وتعليمياً. لكنّه ليس كذلك. بل هو حلمي، ضبابي، شبحي، يتأرجح بين الجمال الشديد والرعب الشعبي. في أوقات معيّنة، يصبح «الحصاد» هلوسياً، إذ يرقص القرَويّون حول نار تتطاير منها الشرارات إلى الأعلى. تشعر أنّ أجيالاً من الأجداد يراقبون من الظلال، يرَون كيف يحاول أحفادهم الحفاظ على نمط حياتهم، إلى أن لا يعود بإمكانهم ذلك. فكل ما هو جميل قد يُدمّر. وكل بذرة تُزرع قد تُثبت أنّها عبثية. وربما المغزى في الزرع ذاته.

الأكثر قراءة